حكايات وأساطير عند النوم
لم نكن - ونحن صغار - ننام على قصص الهر أبو الجزمة، أو بياض الثلج والأقزام السبعة، والتي تسبح أو تحلّق بالطفل في عالم الخيال؛ حتى يسدل أجفان عينيه، ويغطُّ في نوم عميق.
إنَّما كنّا ننام وقلوبنا ترتجف، وأجسادنا قد التصقت بالفراش هلعاً، والتحفت بالغطاء فزعاً، ونحن نستمع إلى أساطير وحكايات تخلع قلوب الكبار، فكيف بالقلوب الغضة الطرية، التي لم تمضِ عليها إلا أعوام قليلة؟ وهي تخفقُ ولا يزالُ خفقانها ضعيفاً؛ لأنَّه في بداية طريق الحياة.
ولكن البادية هكذا يريدُ رجالها ونساؤها؛ فالطفل لا ينام متوسداً المنضدة الحريرية على فراشٍ وثيرٍ يتمرجح به في (الهندول)، إنما يبدأ – وهو صغير – معلّقاً بين غصنين في ثوبٍ خَلقٍ، إيذاناً بنشأةٍ قاسيةٍ، وحياة تترقب مصاعب الطريق، وتترصَّد مخاوف المفازات المجهولة.
ولهذا نشأت أجيال البادية في شظفٍ من العيش، بعيد عن الترف؛ فلا عجب وقتذاك أن تكثر الحكايات المرعبة، وأن ينام الأطفال على قصصٍ مخيفة، لا تداعبُ الخيال، ولا تمسُ في أذن الشعور، إنما تتفجَّرُ كالقنبلة في مسمع الطفل؛ فينام من هول ما يسمع، أو لعله يكون في إغماءةٍ تشبه النَّوم!! وكيف يطيق الطفل سماع أساطير (معضاد)؛ ذلك الفتى المتوحش، الذي سقطت عليه لحمةٌ من السماء – زعموا! – فأكلها وطابت له؛ لأنَّه لم يكن على حد زعمهم قد طعم في حياته ألذَّ منها مذاقاً، فأخذ يبحثُ عن جنس تلك اللحمة، فوجد ذلك الطعم في لحم الإنسان، فصار بذلك متوحشاً أكل أخته وأهل بيته، ويبدو أنَّه قد ادّخر أمّه لزمن الجوع؛ برَّاً بها.
والحمد لله أنا لم نجرّب ذلك الطعام المشؤوم، وإلاّ لما بقي في (حيِّنا) أحد، ولكانت آخر حلقة في (حارتنا القديمة) هي أول حلقة، وبها تنتهي فصول الرواية؛ لأنَّها في زمن (معضاد المستنسخ) ستصبح الحارة مائدة شهيّة عليها ما لذَّ وطاب من الأطعمة، ولا أدري هل سأكون وقتذاك آكلاً أو مأكولاً، وهل سيحتاجُ آكلي إلى (قنينة بيبسي)، لا أظنُّ ذلك، بمثل تلك القصة المعضادية ننام وقلوبنا تخفقُ، بل ترتجف، ومعضاد يتراءى بنابيه في الأحلام وقبل وقت المنام!.
ورُبَّما نام أحدنا وصور الأشباح تعرضُ عليه قبل النوم كما يعرض الفلم السينمائي، فتمرُّ به صورة مفزعة (لأم حافر)، هذه المرأة ذات القدم الحماريّة، وهي تقطع الفيافي والقفار، وتجوب الأقطار؛ بحثاً عن فريسةٍ سائغةٍ هنيئةٍ.
يذكرون أنها تعرّضت لرجلٍ مسافرٍ بسيارته في صورة امرأةٍ مسكينة، مقطوعة السبيل، فلما استوقفته رقَّ لها قلبه، واستجاب لندائها ضميره، فمكنها من صهوة سيارته، فلما امتطت ظهرها، وفي منتصف الطريق رأى القدم الحماريّة؛ ففزع وفقد الوعي، ولا أدري بأي وسيلة نجا، المهم أنه نجا لتكتمل القصة محبوكة!.
فانطلق بعد النجاة مسرعاً يلهثُ، وسيارته تئنُ وتئزُّ وترتجُّ، وهو خائفٌ وجلٌ حتى رأى على جانب الطريق رجلاً فقد انقطع به السبيل، يطلب المساعدة، ولأنَّه كان أحوج منه له، فقد وقف مكرهاً مضطراً، ودعاه ليركب بسرعة، فلما ركب الرجلُ رأى فزعه، وسمع خفقان قلبه، فسأله ما بك؟ وما الذي أصابك؟ فقال وهو يلقي كلماته على الرجل وهو متعباً وكأنَّ الكلمات تتساقط من فيه بلا اختيار كما تتساقط قطرات الماء من في السقاء الممتلئ. قال له: لقد تركت في أول الطريق امرأةً متوحشةً مرعبةً، تصوَّر! لها قدمان إحداهنَّ قَدَمُ حمار!.
فقال له صاحبه الجديد وقد خرج له قدمه الحمارية: مثل هذه؟!!!
فسقط مغشياً عليه وكان :
كالمستجير من الرمضاء بالنار
ويبدو أنَّه هرب من (أم حافر) ليساق (لأبي حافر).
فعلى مثل هذه القصص بالله كيف يطيب النوم؟!!
ينامُ أطفالنا ليــلاً على قصصٍ
من الحكايات ذات اللطف واللينِ
ونحن كنَّا على أشباح جَدَّتنـا
ننامُ من خـوفنا في جـوفِ تنّينِ
لم نكن - ونحن صغار - ننام على قصص الهر أبو الجزمة، أو بياض الثلج والأقزام السبعة، والتي تسبح أو تحلّق بالطفل في عالم الخيال؛ حتى يسدل أجفان عينيه، ويغطُّ في نوم عميق.
إنَّما كنّا ننام وقلوبنا ترتجف، وأجسادنا قد التصقت بالفراش هلعاً، والتحفت بالغطاء فزعاً، ونحن نستمع إلى أساطير وحكايات تخلع قلوب الكبار، فكيف بالقلوب الغضة الطرية، التي لم تمضِ عليها إلا أعوام قليلة؟ وهي تخفقُ ولا يزالُ خفقانها ضعيفاً؛ لأنَّه في بداية طريق الحياة.
ولكن البادية هكذا يريدُ رجالها ونساؤها؛ فالطفل لا ينام متوسداً المنضدة الحريرية على فراشٍ وثيرٍ يتمرجح به في (الهندول)، إنما يبدأ – وهو صغير – معلّقاً بين غصنين في ثوبٍ خَلقٍ، إيذاناً بنشأةٍ قاسيةٍ، وحياة تترقب مصاعب الطريق، وتترصَّد مخاوف المفازات المجهولة.
ولهذا نشأت أجيال البادية في شظفٍ من العيش، بعيد عن الترف؛ فلا عجب وقتذاك أن تكثر الحكايات المرعبة، وأن ينام الأطفال على قصصٍ مخيفة، لا تداعبُ الخيال، ولا تمسُ في أذن الشعور، إنما تتفجَّرُ كالقنبلة في مسمع الطفل؛ فينام من هول ما يسمع، أو لعله يكون في إغماءةٍ تشبه النَّوم!! وكيف يطيق الطفل سماع أساطير (معضاد)؛ ذلك الفتى المتوحش، الذي سقطت عليه لحمةٌ من السماء – زعموا! – فأكلها وطابت له؛ لأنَّه لم يكن على حد زعمهم قد طعم في حياته ألذَّ منها مذاقاً، فأخذ يبحثُ عن جنس تلك اللحمة، فوجد ذلك الطعم في لحم الإنسان، فصار بذلك متوحشاً أكل أخته وأهل بيته، ويبدو أنَّه قد ادّخر أمّه لزمن الجوع؛ برَّاً بها.
والحمد لله أنا لم نجرّب ذلك الطعام المشؤوم، وإلاّ لما بقي في (حيِّنا) أحد، ولكانت آخر حلقة في (حارتنا القديمة) هي أول حلقة، وبها تنتهي فصول الرواية؛ لأنَّها في زمن (معضاد المستنسخ) ستصبح الحارة مائدة شهيّة عليها ما لذَّ وطاب من الأطعمة، ولا أدري هل سأكون وقتذاك آكلاً أو مأكولاً، وهل سيحتاجُ آكلي إلى (قنينة بيبسي)، لا أظنُّ ذلك، بمثل تلك القصة المعضادية ننام وقلوبنا تخفقُ، بل ترتجف، ومعضاد يتراءى بنابيه في الأحلام وقبل وقت المنام!.
ورُبَّما نام أحدنا وصور الأشباح تعرضُ عليه قبل النوم كما يعرض الفلم السينمائي، فتمرُّ به صورة مفزعة (لأم حافر)، هذه المرأة ذات القدم الحماريّة، وهي تقطع الفيافي والقفار، وتجوب الأقطار؛ بحثاً عن فريسةٍ سائغةٍ هنيئةٍ.
يذكرون أنها تعرّضت لرجلٍ مسافرٍ بسيارته في صورة امرأةٍ مسكينة، مقطوعة السبيل، فلما استوقفته رقَّ لها قلبه، واستجاب لندائها ضميره، فمكنها من صهوة سيارته، فلما امتطت ظهرها، وفي منتصف الطريق رأى القدم الحماريّة؛ ففزع وفقد الوعي، ولا أدري بأي وسيلة نجا، المهم أنه نجا لتكتمل القصة محبوكة!.
فانطلق بعد النجاة مسرعاً يلهثُ، وسيارته تئنُ وتئزُّ وترتجُّ، وهو خائفٌ وجلٌ حتى رأى على جانب الطريق رجلاً فقد انقطع به السبيل، يطلب المساعدة، ولأنَّه كان أحوج منه له، فقد وقف مكرهاً مضطراً، ودعاه ليركب بسرعة، فلما ركب الرجلُ رأى فزعه، وسمع خفقان قلبه، فسأله ما بك؟ وما الذي أصابك؟ فقال وهو يلقي كلماته على الرجل وهو متعباً وكأنَّ الكلمات تتساقط من فيه بلا اختيار كما تتساقط قطرات الماء من في السقاء الممتلئ. قال له: لقد تركت في أول الطريق امرأةً متوحشةً مرعبةً، تصوَّر! لها قدمان إحداهنَّ قَدَمُ حمار!.
فقال له صاحبه الجديد وقد خرج له قدمه الحمارية: مثل هذه؟!!!
فسقط مغشياً عليه وكان :
كالمستجير من الرمضاء بالنار
ويبدو أنَّه هرب من (أم حافر) ليساق (لأبي حافر).
فعلى مثل هذه القصص بالله كيف يطيب النوم؟!!
ينامُ أطفالنا ليــلاً على قصصٍ
من الحكايات ذات اللطف واللينِ
ونحن كنَّا على أشباح جَدَّتنـا
ننامُ من خـوفنا في جـوفِ تنّينِ
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا