سلسلة حارتنا القديمة ( الحلقة الثالثة ) الحنين إلى أول منزل
للكاتب سعود الصاعدي
الحنين إلى أول منزل
رحم الله أبا تمام القائل :
كم من منزلٍ في الأرض يهواه الفتى
وحنينـــه أبــداً لأول منزلِ
كنت أسكن مع والديِّ في بيت متواضع بسيط عبارة عن غرفة يلتصق بجانبها الأيمن (المطبخ) وله باب من داخل الغرفة، وهناك فناءٌ صغير خلفه الجبل وأمامه جدار يفصل بيتنا عن بيت عمِّي؛ وهو مكون أيضاً من غرفة ومطبخٍ وسدرة ممتلئة (بالنبق والخُنَّين).
أيام جميلة قضيت فيها الطفولة البريئة في ذلك البيت المتواضع تارة أمرح في فنائه وأسقي (بصلتي) التي زرعت في طرفه كل صباح ومساء، وتارة أقفز فوق سقفه لأمارس هواية القفز من غرفتنا إلى غرفة الجيران فقد كانت هوايتنا المحببة، وكنا نرفع رايات التحدي لصاحب أطول قفزة حتى كدنا أن نقفز من مكان منخفض إلى مكان أعلى، كل ذلك تسلسلاً مع القفزات التي نكسبها فتصغر في عيوننا بعد ذلك.
لازلت أذكر تلك الأيام الجميلة وذلك المساء الذي يكسو بيتنا بالظلام الأسحم فتقاومه (اللمبة السهاري) أو (القلم المستطيل)، فلا نبصر الجبل ولا نرى إلاّ النجوم وهي تتسامر على صفحة السماء الزرقاء، كما لا أنسى وقت غروب الشمس في ذلك الفناء الصغير ونحن نجتهد في إعداد سفر الإفطار في شهر رمضان، وكان ثمة سباق بيني وبين (خالي) الذي طالما أذاقني من علقاته الساخنة وغدره البريء، لكننا كنا في سعادةٍ تامة ونحن نُعِدُّ طعام الإفطار وقد أحضر أبي الثلج وأخذ يكسِّره شظايا بمسمار حديديّ ليجعل منه قوالب صغيرة فلم تكن آنذاك الثلاجات والبرادات، فيا له من أصيل جميل، وغروب شائقٍ ننتظر معه وقت الإفطار ونحن غير صائمين لصغر سننا، ولكننا نشارك الكبار شعور الصيام.
وإنْ يغب كل شيءٍ عن ذهني فلن يغيب عنه منظر الفناء بعد هطول المطر وقد ابتلَّ ترابه بالماء فشذا برائحة الثرى وعَبِقَ بنَفَس المطر المبلل بالنسيم العليل.
أذكر أني ذات صباح من أيام الدراسة عدتُ إلى البيت بعد أن سمح لنا بالانصراف بسبب الأمطار فدخلت بيتنا فرحاً مسروراً ورأيت الفناء (الحوش) قد امتلأ بالبرك الصغيرة واختلطت (الخلطة بالأسمنت) بماء المطر ففاح شذاها فكأني أشم رائحته إلى الآن؛ لأنه موقف تجمعت فيه أفراح في وقت واحد (غياب، ومطر، وصباح، وفناء مُعطَّر).
ومنزلي هذا هو صورةٌ لكل منزلٍ في الحيّ، نجتمع مع الصبية في كل منزل وقد هرعت الأغنام إلى النبات، والأطفال إلى التربة الناعمة، والكبار إلى جلسات مع القهوة، فهل يعود ذلك الزمن البريء ولو بتلك البيوت والأكنان الصغيرة؟!!
كذلك لا أنسى بعض الألعاب والتسالي ومنها: المرجيحة اليدوية وهي عبارة عن (ليٍّ طويل) يربط طرفاه في سقف أو في عود علويِّ معترض ليتدلى فتوضع في وسطه مقعدة يجلس عليها الصبيُّ فيتمرجح بها وربَّما سقط أحد طرفيها أو انحلَّ فسقط الصبيُّ على ظهره أرضاً، ولم تكن المراجيح المصنوعة من الحديد هذه التي تملأ الساحات والألعاب.
هذه إشارة بسيطة عن لعبة تمارس في البيت، أما الألعاب والتسالي التي يمارسها الصغار خارج البيوت فكثيرة جداً سيكون الحديث عنها في الحلقة القادمة إنْ شاء الله.
للكاتب سعود الصاعدي
الحنين إلى أول منزل
رحم الله أبا تمام القائل :
كم من منزلٍ في الأرض يهواه الفتى
وحنينـــه أبــداً لأول منزلِ
كنت أسكن مع والديِّ في بيت متواضع بسيط عبارة عن غرفة يلتصق بجانبها الأيمن (المطبخ) وله باب من داخل الغرفة، وهناك فناءٌ صغير خلفه الجبل وأمامه جدار يفصل بيتنا عن بيت عمِّي؛ وهو مكون أيضاً من غرفة ومطبخٍ وسدرة ممتلئة (بالنبق والخُنَّين).
أيام جميلة قضيت فيها الطفولة البريئة في ذلك البيت المتواضع تارة أمرح في فنائه وأسقي (بصلتي) التي زرعت في طرفه كل صباح ومساء، وتارة أقفز فوق سقفه لأمارس هواية القفز من غرفتنا إلى غرفة الجيران فقد كانت هوايتنا المحببة، وكنا نرفع رايات التحدي لصاحب أطول قفزة حتى كدنا أن نقفز من مكان منخفض إلى مكان أعلى، كل ذلك تسلسلاً مع القفزات التي نكسبها فتصغر في عيوننا بعد ذلك.
لازلت أذكر تلك الأيام الجميلة وذلك المساء الذي يكسو بيتنا بالظلام الأسحم فتقاومه (اللمبة السهاري) أو (القلم المستطيل)، فلا نبصر الجبل ولا نرى إلاّ النجوم وهي تتسامر على صفحة السماء الزرقاء، كما لا أنسى وقت غروب الشمس في ذلك الفناء الصغير ونحن نجتهد في إعداد سفر الإفطار في شهر رمضان، وكان ثمة سباق بيني وبين (خالي) الذي طالما أذاقني من علقاته الساخنة وغدره البريء، لكننا كنا في سعادةٍ تامة ونحن نُعِدُّ طعام الإفطار وقد أحضر أبي الثلج وأخذ يكسِّره شظايا بمسمار حديديّ ليجعل منه قوالب صغيرة فلم تكن آنذاك الثلاجات والبرادات، فيا له من أصيل جميل، وغروب شائقٍ ننتظر معه وقت الإفطار ونحن غير صائمين لصغر سننا، ولكننا نشارك الكبار شعور الصيام.
وإنْ يغب كل شيءٍ عن ذهني فلن يغيب عنه منظر الفناء بعد هطول المطر وقد ابتلَّ ترابه بالماء فشذا برائحة الثرى وعَبِقَ بنَفَس المطر المبلل بالنسيم العليل.
أذكر أني ذات صباح من أيام الدراسة عدتُ إلى البيت بعد أن سمح لنا بالانصراف بسبب الأمطار فدخلت بيتنا فرحاً مسروراً ورأيت الفناء (الحوش) قد امتلأ بالبرك الصغيرة واختلطت (الخلطة بالأسمنت) بماء المطر ففاح شذاها فكأني أشم رائحته إلى الآن؛ لأنه موقف تجمعت فيه أفراح في وقت واحد (غياب، ومطر، وصباح، وفناء مُعطَّر).
ومنزلي هذا هو صورةٌ لكل منزلٍ في الحيّ، نجتمع مع الصبية في كل منزل وقد هرعت الأغنام إلى النبات، والأطفال إلى التربة الناعمة، والكبار إلى جلسات مع القهوة، فهل يعود ذلك الزمن البريء ولو بتلك البيوت والأكنان الصغيرة؟!!
كذلك لا أنسى بعض الألعاب والتسالي ومنها: المرجيحة اليدوية وهي عبارة عن (ليٍّ طويل) يربط طرفاه في سقف أو في عود علويِّ معترض ليتدلى فتوضع في وسطه مقعدة يجلس عليها الصبيُّ فيتمرجح بها وربَّما سقط أحد طرفيها أو انحلَّ فسقط الصبيُّ على ظهره أرضاً، ولم تكن المراجيح المصنوعة من الحديد هذه التي تملأ الساحات والألعاب.
هذه إشارة بسيطة عن لعبة تمارس في البيت، أما الألعاب والتسالي التي يمارسها الصغار خارج البيوت فكثيرة جداً سيكون الحديث عنها في الحلقة القادمة إنْ شاء الله.
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا