حارتنا القديمة وبهجة العيد
دعني أتحدّث معك يا قارئ العزيز عن بهجة العيد وعن ذلك السرور الذي يملأُ نفوسنا فيطفح على الوجوه بالبشر والتهلل والابتسامات المشرقة.
لم تكن (حارتنا القديمة) بمنأى عن الفرح ولا بمعزلٍ عن أضواء ليلة العيد لترتدي حلتها الجديدة من فرشٍ تعبق برائحة العيد،ومجالس تلك البيوت تتزيّن للوافدين من أبناء الحي وغيرهم؛ فجوانبها تحفها الورود والعطور، وبواطنها الأرضية تلتحفُ بالسجاد المزركش، وفي كل مجلس لابدَّ وأنْ تجد طاولةً تتوسطه عليها (أطباق الحلوى) و(ثلاجات القهوة والشاي)، وربّما عند بعضهم تستقبلك رائحة (الشعرية) و(السمن البري) وقد اشتهر أحد الجيران بهذه الأكلة الشهية فكان يقدمها صباح كل عيدٍ حتى صارت فيما بَعْد معلماً من معالم العيد أو ذكرى من ذكريات العيد في حارتنا القديمة..
تبدو ليلة العيد في حارتنا الصغيرة كفتاةٍ حسناء قد اتشحت بالبياض والطهر؛ فالناس في تلك الليلة يملأ قلوبهم الحب وكأنهم في زفافٍ يستعدون لزفة ليلة العيد إلى عروسها.
الناس منهمكون في تهيئة البيوت، والسيارات تذهب وتؤوب محملةً بشتى أنواع الزينة وشارع الحيِّ قد ابتلَّ ترابه بمياهٍ تتدفق من أبواب البيوت، ولليل شلاّلٌ من نور يملأ جنبات الحيّ ويفيض من أطرافه.
حتى إذا أصبح الصباح وعاد الآباء والأبناء من صلاة العيد نثرت السيارات لآلئها وانفرط عقد الدر ببهجة العيد فامتلأ الحيُّ بالبياض وأشرق بالنور واتشح بوشاحٍ أبيض فترى أهل الحيّ من الرجال والأطفال وهم يصعدون إلى أعلاه أو يهبطون إلى أسفله فيختلط البياض وتزداد النضرة وتبدو حارتنا في منظرٍ شائق يعبر عن الحب والود والصفاء، فلا ترى إلاّ أيدٍ تصافح وأجساداً تتعانق وثغوراً تفترُّ عن ابتسامات مشرقة تلوح في بياض الناس كما يلوح البرق في بياض السحب، ولكنَّها تمطر زخّاتٍ من الحبّ والتآلف فسبحان من ألّف بين القلوب وجمعها في يومٍ موعود وهو القائل: }لوَ أَنْفَقْتَ مَا في الأَرْضِ جَمِيْعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوْبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ{.
كلُّ فردٍ في حارتنا يظهر في أجمل حلّة لا يرى أنَّ أحداً يلبسُ أبهى من ثيابه حتى ولو كانت بثمنٍ بخسٍ وهذا هو السر في بهجة العيد، لا يكبر أحدٌ على أحد، ولا يتعالى عنيٌّ على فقير؛ فالذي يلبس شماغ (السمرقندي) أو شماغ (العقل) لا يرى أنَّ صاحب شماغ (البسام) أسعد منه؛ لأنَّ السعادة في العيد روحيّة لا تتصل بالمادة وليس بينها وبين حطام الحياة أدنى نسب لأنَّ العيد هدية من ربّ العالمين للصائمين القائمين.
نعم إنني أتذكر جيداً كيف كنا نفرح بثيابنا الجديدة وما الذي يعنيه لنا (مرشد) ذلك الخياط الذي كان في زمنٍ مرَّ خياطاً ماهراً فطعنته الآن إبر الخياطين .
ورمي عن قوسٍ واحدةٍ فخرَّ صريعاً، فصار في زمننا المترف مغمزاً بل وعاراً وهو الذي كان يخيط البسمة على شفاهنا والبهجة على وجوهنا.
أتذكره جيداً عندما كان يقيس أحدنا (بمتره) ويُجري معنا حواراً تهمنا بدرجةٍ كبرى الإجابة عليه؛ لأنها تحدد مصيرنا في العيد!
أيَّ أنواع الثياب تريد ؟
وليست إلاَّ إجابة واحدة بلا خلاف: ثوبين قماش أبو غزلين كبك وسادة أبيض وأصفر وهلمّ جرَّا…
إنَّ الحديث عن العيد قديماً ذو شجون ويجرُّ بعضه بعضاً فأنت تنتقل من بيتٍ إلى بيتٍ، ومن فناءٍ إلى فناءٍ، ومن جلسة إلى جلسة كلها تملؤك بهجةً وسعادة كالنحلة وهي تطير من زهرةٍ إلى زهرةٍ لتشم الرحيق وتنتج العسل.
ما أرع العيد وما أبهاه في أيام الطفولة البريئة ونحن نسير في قطار طفولي ينتقل من بيتٍ إلى بيتٍ ومن (محطة) إلى (محطة)، ندلف في كل بيت ونعايد أهله ونملأ جيوبنا بالحلوى فلا تستقبلنا إلاَّ ابتسامة راضية ولا تصافحنا إلاَّ يد حانية معطاءة، كل أهل الحيّ آباء وأمهات يرون في الأطفال أبناءً لهم، ولا أحسب أنَّ صورة العيد قد تغيرت بل هي إلى الآن باقية ولكن مع بعض النتوءات التي لا تطمس المعالم، ولأنَّ صورة العيد لم تتغير كثيراً فإنّي أترك حارتنا القديمة الآن تنام فَرِحةً تحت أضواء العيد ومباهجه الذي صار وصارت هي ذكريات في السطور بعد أنْ كانت فرحةً في الصدور وبهجةً في النفوس.
دعني أتحدّث معك يا قارئ العزيز عن بهجة العيد وعن ذلك السرور الذي يملأُ نفوسنا فيطفح على الوجوه بالبشر والتهلل والابتسامات المشرقة.
لم تكن (حارتنا القديمة) بمنأى عن الفرح ولا بمعزلٍ عن أضواء ليلة العيد لترتدي حلتها الجديدة من فرشٍ تعبق برائحة العيد،ومجالس تلك البيوت تتزيّن للوافدين من أبناء الحي وغيرهم؛ فجوانبها تحفها الورود والعطور، وبواطنها الأرضية تلتحفُ بالسجاد المزركش، وفي كل مجلس لابدَّ وأنْ تجد طاولةً تتوسطه عليها (أطباق الحلوى) و(ثلاجات القهوة والشاي)، وربّما عند بعضهم تستقبلك رائحة (الشعرية) و(السمن البري) وقد اشتهر أحد الجيران بهذه الأكلة الشهية فكان يقدمها صباح كل عيدٍ حتى صارت فيما بَعْد معلماً من معالم العيد أو ذكرى من ذكريات العيد في حارتنا القديمة..
تبدو ليلة العيد في حارتنا الصغيرة كفتاةٍ حسناء قد اتشحت بالبياض والطهر؛ فالناس في تلك الليلة يملأ قلوبهم الحب وكأنهم في زفافٍ يستعدون لزفة ليلة العيد إلى عروسها.
الناس منهمكون في تهيئة البيوت، والسيارات تذهب وتؤوب محملةً بشتى أنواع الزينة وشارع الحيِّ قد ابتلَّ ترابه بمياهٍ تتدفق من أبواب البيوت، ولليل شلاّلٌ من نور يملأ جنبات الحيّ ويفيض من أطرافه.
حتى إذا أصبح الصباح وعاد الآباء والأبناء من صلاة العيد نثرت السيارات لآلئها وانفرط عقد الدر ببهجة العيد فامتلأ الحيُّ بالبياض وأشرق بالنور واتشح بوشاحٍ أبيض فترى أهل الحيّ من الرجال والأطفال وهم يصعدون إلى أعلاه أو يهبطون إلى أسفله فيختلط البياض وتزداد النضرة وتبدو حارتنا في منظرٍ شائق يعبر عن الحب والود والصفاء، فلا ترى إلاّ أيدٍ تصافح وأجساداً تتعانق وثغوراً تفترُّ عن ابتسامات مشرقة تلوح في بياض الناس كما يلوح البرق في بياض السحب، ولكنَّها تمطر زخّاتٍ من الحبّ والتآلف فسبحان من ألّف بين القلوب وجمعها في يومٍ موعود وهو القائل: }لوَ أَنْفَقْتَ مَا في الأَرْضِ جَمِيْعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوْبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ{.
كلُّ فردٍ في حارتنا يظهر في أجمل حلّة لا يرى أنَّ أحداً يلبسُ أبهى من ثيابه حتى ولو كانت بثمنٍ بخسٍ وهذا هو السر في بهجة العيد، لا يكبر أحدٌ على أحد، ولا يتعالى عنيٌّ على فقير؛ فالذي يلبس شماغ (السمرقندي) أو شماغ (العقل) لا يرى أنَّ صاحب شماغ (البسام) أسعد منه؛ لأنَّ السعادة في العيد روحيّة لا تتصل بالمادة وليس بينها وبين حطام الحياة أدنى نسب لأنَّ العيد هدية من ربّ العالمين للصائمين القائمين.
نعم إنني أتذكر جيداً كيف كنا نفرح بثيابنا الجديدة وما الذي يعنيه لنا (مرشد) ذلك الخياط الذي كان في زمنٍ مرَّ خياطاً ماهراً فطعنته الآن إبر الخياطين .
ورمي عن قوسٍ واحدةٍ فخرَّ صريعاً، فصار في زمننا المترف مغمزاً بل وعاراً وهو الذي كان يخيط البسمة على شفاهنا والبهجة على وجوهنا.
أتذكره جيداً عندما كان يقيس أحدنا (بمتره) ويُجري معنا حواراً تهمنا بدرجةٍ كبرى الإجابة عليه؛ لأنها تحدد مصيرنا في العيد!
أيَّ أنواع الثياب تريد ؟
وليست إلاَّ إجابة واحدة بلا خلاف: ثوبين قماش أبو غزلين كبك وسادة أبيض وأصفر وهلمّ جرَّا…
إنَّ الحديث عن العيد قديماً ذو شجون ويجرُّ بعضه بعضاً فأنت تنتقل من بيتٍ إلى بيتٍ، ومن فناءٍ إلى فناءٍ، ومن جلسة إلى جلسة كلها تملؤك بهجةً وسعادة كالنحلة وهي تطير من زهرةٍ إلى زهرةٍ لتشم الرحيق وتنتج العسل.
ما أرع العيد وما أبهاه في أيام الطفولة البريئة ونحن نسير في قطار طفولي ينتقل من بيتٍ إلى بيتٍ ومن (محطة) إلى (محطة)، ندلف في كل بيت ونعايد أهله ونملأ جيوبنا بالحلوى فلا تستقبلنا إلاَّ ابتسامة راضية ولا تصافحنا إلاَّ يد حانية معطاءة، كل أهل الحيّ آباء وأمهات يرون في الأطفال أبناءً لهم، ولا أحسب أنَّ صورة العيد قد تغيرت بل هي إلى الآن باقية ولكن مع بعض النتوءات التي لا تطمس المعالم، ولأنَّ صورة العيد لم تتغير كثيراً فإنّي أترك حارتنا القديمة الآن تنام فَرِحةً تحت أضواء العيد ومباهجه الذي صار وصارت هي ذكريات في السطور بعد أنْ كانت فرحةً في الصدور وبهجةً في النفوس.
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا