المعارك الدامية !
يقول أحد الشباب مفسراً كيف تبدأ معارك الصبية في ذلك الوقت: إذا جاءك أحدهم وقال لك: (خابر يوم...!) فانتظر اللطمة على وجهك، واللكمة على أنفك!
وحارتنا القديمة على ما فيها من محبة وصفاء إلا أنها لم تكن تخلو من المعارك الدامية في تلك الحقبة من الزمن؛ والضعيف فيها لا يجد موطئ قدمٍ بين أقرانه والصبي الذي ليس له (أخ كبير) يحميه من براثن الخصومات لا يسلم من الاضطهاد في ذلك الوقت!
ولا أدري كيف سلمت من تلك الدكتاتورية التي يفرضها الأشقياء من الصبية على حياتنا في الحارة القديمة.. ولولا أنّ الله سلّم لكنت من حصب تلك المعارك! على أني لم أسلم من (خالي) الذي خلخل عظامي وكثرت به مواجعي وأسقامي!
ولا أذكر أن لي خصومات في الزمن القديم ربّما لأني لا أقوى على مقارعة الوحوش في ذلك الوقت! غير أني كنت أجد نفسي نوعاً ما في معركةٍ يكون طرفها صبياً كان يقاربني سناً وضعفاً! وربما نلت منه بعض الشيء؛ فأشعر بنوعٍ من الابتهاج والغبطة وأحسُّ أني بدأت أخوّف!
أما فيما عدا ذلك فليس لي لا في العير ولا في النفير.. وإنما كنت في خصومات المدارس مع القبائل الأخرى أجيد حمل الحقائب فقط وأنتظر جمع الغنائم؛ هذا إن لم أكن غنيمةً باردةً لأحد الخصوم في تلك المعركة.
.. ولست أنسى ذلك (الحصار) الذي فرضته علينا إحدى الأسر متمثلة في مجموعة من الأخوة سامحهم الله.. حيث اغتنموا فرصة غياب أبي وعمّي وطوّقوا الغرفة التي تحتضننا جميعاً ورشقونا بالحجارة وكان حصاراً حربيّاً عنيفاً سرعان ما تلاشى وتبخّر بعودة أبي وعمّي من العمل!
.. ومن تلك المعارك والخصومات الدامية والتي تشبه معارك القط والفأر في أفلام الكرتون، ما كان يدور رحاها بين صبيين لست أسميهما ولست أعلم أيهما القط؟ وأيهما الفأر؟ لأن العراك بينهما سجالاً لطمة على خدّ هذا! وصفعة على خدّ ذاك! وكنت قد حضرت معركة بينهما كاد أن ينخلع قلبي مما رأيته!
.. ومن المواقف التي أتذكّرها في ذلك الوقت.. الحرب الطاحنة مع أسرةٍ جديدةٍ وفدت على الحي وسكنت في أعلاه وكنا نستخدم في ذلك الوقت (النُّبيلة) تصغير للنبل مع التشديد وهي المقلاع اليدوي الذي يقذف بالحجارة حيث كنّا نتراشق بها من خلف البيوت ومن على الجدر والأسقف!
.. ومن المعارك الدامية معركة المقرح الشهيرة تلك المعركة التي جعلت من الأطفال الصغار خبراء سياسةٍ وحرب! وكانت سلسلةً من الخصومات التي طال أمدها.. لا أدري ما سببها ولكن ربما أن السبب راجعٌ إلى عصبيات قبليّة وتحدياتٍ إقليمية وأشبه معركة أو حرب بها من التاريخ حرب البسوس التي بين بكر وتغلب.. تلك المعركة أعني (معركة المقرح) عكّرت علينا صفاء الحياة وكدّرت حلاوة الانصراف من المدرسة لأنها في نهاية الدوام المدرسي حتى إنّ صوت الجرس لم يعد يحلو في أسماعنا وهو يجلجل معلناً (الصرفة) لأنه صار يقرع في القلوب فمع كل قرعة ورنة يزداد وجيبها وخفقانها، وأجزم أنّ خصومنا يشعرون بما نشعر به وكل معسكر يحسب للآخر ألف حساب ولكنها الحرب ميدان الرجال!
.. وفي تلك (المعركة) لم يكن ينفض الاشتباك وينهي العراك إلا أحد رجال الحي يأتي بسيارته فيحملنا وتنتهي المعركة.. ويعلم الله كم كنت أفرح وأهتز طرباً إذا ما قدم من بعيد وبدأ المتخاصمون في التفرق والشتات.
ومن طرائف هذه المعركة : أنّ أحد الصبية الصغار وقع في قبضة محكمة لنفر من ذلك المعسكر المقابل، وذلك أنّ الأستاذ هداه الله صرفهم من المدرسة مبكراً فلما أحاطوا به كالسوار بالمعصم وبدأ أحدهم يناوشه باللكمات، أجابه متجاهلاً وخائفاً: لا تمزح! وهو يعلم أنّ الأمر في غاية الجد لكنه أراد أن يخلط المفاهيم خشيةً مما لا تحمد عقباه!
ومن تلك الطرائف : أن أحد الصبية الذين في المعسكر الآخر أمسك بصبيٍّ من معسكرنا يظن أنه ضعيف فكان كمن حمل حتفه على كتفه، حيث أوسعه ركلاً وضرباً فلم يعد مرةً أخرى لتلك المغامرة الخطيرة!
ومما يجدر ذكره ويدعو للعجب أنّ أكثر الذين كانوا أشداء وأقوياء في ذلك الوقت قد ضعفوا في عصرنا الحاضر وتقلّمت أظفارهم في حين أنّ الضعفاء قويت شوكتهم وكثر أتباعهم وكما قيل: هذه بتلك! (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
يقول أحد الشباب مفسراً كيف تبدأ معارك الصبية في ذلك الوقت: إذا جاءك أحدهم وقال لك: (خابر يوم...!) فانتظر اللطمة على وجهك، واللكمة على أنفك!
وحارتنا القديمة على ما فيها من محبة وصفاء إلا أنها لم تكن تخلو من المعارك الدامية في تلك الحقبة من الزمن؛ والضعيف فيها لا يجد موطئ قدمٍ بين أقرانه والصبي الذي ليس له (أخ كبير) يحميه من براثن الخصومات لا يسلم من الاضطهاد في ذلك الوقت!
ولا أدري كيف سلمت من تلك الدكتاتورية التي يفرضها الأشقياء من الصبية على حياتنا في الحارة القديمة.. ولولا أنّ الله سلّم لكنت من حصب تلك المعارك! على أني لم أسلم من (خالي) الذي خلخل عظامي وكثرت به مواجعي وأسقامي!
ولا أذكر أن لي خصومات في الزمن القديم ربّما لأني لا أقوى على مقارعة الوحوش في ذلك الوقت! غير أني كنت أجد نفسي نوعاً ما في معركةٍ يكون طرفها صبياً كان يقاربني سناً وضعفاً! وربما نلت منه بعض الشيء؛ فأشعر بنوعٍ من الابتهاج والغبطة وأحسُّ أني بدأت أخوّف!
أما فيما عدا ذلك فليس لي لا في العير ولا في النفير.. وإنما كنت في خصومات المدارس مع القبائل الأخرى أجيد حمل الحقائب فقط وأنتظر جمع الغنائم؛ هذا إن لم أكن غنيمةً باردةً لأحد الخصوم في تلك المعركة.
.. ولست أنسى ذلك (الحصار) الذي فرضته علينا إحدى الأسر متمثلة في مجموعة من الأخوة سامحهم الله.. حيث اغتنموا فرصة غياب أبي وعمّي وطوّقوا الغرفة التي تحتضننا جميعاً ورشقونا بالحجارة وكان حصاراً حربيّاً عنيفاً سرعان ما تلاشى وتبخّر بعودة أبي وعمّي من العمل!
.. ومن تلك المعارك والخصومات الدامية والتي تشبه معارك القط والفأر في أفلام الكرتون، ما كان يدور رحاها بين صبيين لست أسميهما ولست أعلم أيهما القط؟ وأيهما الفأر؟ لأن العراك بينهما سجالاً لطمة على خدّ هذا! وصفعة على خدّ ذاك! وكنت قد حضرت معركة بينهما كاد أن ينخلع قلبي مما رأيته!
.. ومن المواقف التي أتذكّرها في ذلك الوقت.. الحرب الطاحنة مع أسرةٍ جديدةٍ وفدت على الحي وسكنت في أعلاه وكنا نستخدم في ذلك الوقت (النُّبيلة) تصغير للنبل مع التشديد وهي المقلاع اليدوي الذي يقذف بالحجارة حيث كنّا نتراشق بها من خلف البيوت ومن على الجدر والأسقف!
.. ومن المعارك الدامية معركة المقرح الشهيرة تلك المعركة التي جعلت من الأطفال الصغار خبراء سياسةٍ وحرب! وكانت سلسلةً من الخصومات التي طال أمدها.. لا أدري ما سببها ولكن ربما أن السبب راجعٌ إلى عصبيات قبليّة وتحدياتٍ إقليمية وأشبه معركة أو حرب بها من التاريخ حرب البسوس التي بين بكر وتغلب.. تلك المعركة أعني (معركة المقرح) عكّرت علينا صفاء الحياة وكدّرت حلاوة الانصراف من المدرسة لأنها في نهاية الدوام المدرسي حتى إنّ صوت الجرس لم يعد يحلو في أسماعنا وهو يجلجل معلناً (الصرفة) لأنه صار يقرع في القلوب فمع كل قرعة ورنة يزداد وجيبها وخفقانها، وأجزم أنّ خصومنا يشعرون بما نشعر به وكل معسكر يحسب للآخر ألف حساب ولكنها الحرب ميدان الرجال!
.. وفي تلك (المعركة) لم يكن ينفض الاشتباك وينهي العراك إلا أحد رجال الحي يأتي بسيارته فيحملنا وتنتهي المعركة.. ويعلم الله كم كنت أفرح وأهتز طرباً إذا ما قدم من بعيد وبدأ المتخاصمون في التفرق والشتات.
ومن طرائف هذه المعركة : أنّ أحد الصبية الصغار وقع في قبضة محكمة لنفر من ذلك المعسكر المقابل، وذلك أنّ الأستاذ هداه الله صرفهم من المدرسة مبكراً فلما أحاطوا به كالسوار بالمعصم وبدأ أحدهم يناوشه باللكمات، أجابه متجاهلاً وخائفاً: لا تمزح! وهو يعلم أنّ الأمر في غاية الجد لكنه أراد أن يخلط المفاهيم خشيةً مما لا تحمد عقباه!
ومن تلك الطرائف : أن أحد الصبية الذين في المعسكر الآخر أمسك بصبيٍّ من معسكرنا يظن أنه ضعيف فكان كمن حمل حتفه على كتفه، حيث أوسعه ركلاً وضرباً فلم يعد مرةً أخرى لتلك المغامرة الخطيرة!
ومما يجدر ذكره ويدعو للعجب أنّ أكثر الذين كانوا أشداء وأقوياء في ذلك الوقت قد ضعفوا في عصرنا الحاضر وتقلّمت أظفارهم في حين أنّ الضعفاء قويت شوكتهم وكثر أتباعهم وكما قيل: هذه بتلك! (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا