خلية نحل وعمل دؤوب
كان في الحيِّ رجلٌ مسنٌّ، ذو لحية قد اختلط بياضها بسوادها، يدعى هذا الرجل (جزاء بن عبدالله)، وله نشاط الشباب وحيويتهم، فكانت يداه لا تكلان من العمل، وقطع الأخشاب بمنشار الجدِّ وطلب الرزق، وكان كل عتاده منشاراً ومطرقة وعلبة مسامير؛ هذه الأدوات القليلة كانت كفيلةً بعد عون الله ثم نشاطه أن تقيم غرفةً خشبيةً تدعى (الصبلة)؛ وهي محل لإقامة الأغنام، وحظيرة تأوي إليها عن الحر والقر، وعن البرد والصر، وكان أصحاب الماشية يتفقون معه على مبلغٍ زهيد أنْ يبني تلك الغرفة الخشبية لأغنامهم؛ لأنَّ بناءه على مستوى رفيع، وبجودةٍ متناهية،
ولم يكن يقدِّر العم (جزاء) في ذهنه، أن يأتي مَنْ يزاحمه على هذا العمل؛ فيفوقه في عمله الذي هو أستاذه حينذاك، كما أنه لم يَدُر في ذهنه أيضاً أنَّ ذلك الخصم هو عدد كثير وجمع غفير من الصبية الصغار الذين ينشئون (الصبلة) في أقل وقت وبأقل جهد؛ لكثرتهم ونشاطهم، وكأنَّهم سِرْبُ النحل على الخلية؛ فلا ترى حول تلك الأخشاب إلاَّ صبياً، ولا ترى إلا منهمكاً في عمله؛ فهذا يضرب بالمطرقة، وذلك يناوله المسامير، وذاك يحضر الأخشاب، وآخر يقطعها، وخامس يصمم ويخطط، وهكذا كل فردٍ له عمل، فلا تنقضي ساعة أو ساعتان إلا والبيت الخشبيّ قائم على أركانه ينتظر الماشية؛ وما إنْ ينتهي العمل حتى يبدأ عمل آخر في يوم يعقب سابقه، ويظلون كالنحل ينتقل من شجرةٍ إلى شجرة، ومن مكان إلى مكان، حتى أعلن (جزاء) - رحمه الله - سقوط عرشه الخشبي بمطارق الأيدي الصغيرة التي كانت تعمل بلا سأم ولا ملل، وبمداومةٍ لا تعرف الانقطاع؛ حتى امتلأ الحيُّ بالحظائر الخشبية، ولم تبقَ شاةٌ واحدةٌ تنام في العراء.
وإيماناً منهم بمبدأ الفروق الفردية، وتعدد التخصصات؛ فقد كان ذلك الفريق على مستويات مختلفة في العمل؛ فأعلى درجةٍ من يشرف ويحمل المطرقة، وأدنى درجة من يحضر المسامير، ولم أكن أحمل المطرقة، بل كانت حلماً لي، ومطلباً لا أبغي بغيره بدلاً، وكنت أطمح أنْ أضرب مسماراً واحداً، ولكن كفاءتي لا تمكنني من ذلك؛ حتى تدرَّجتُ شيئاً فشيئاً؛ فامتلكتُ المطرقة، وضربتُ المسمار في الخشب، ولكنَّه كان يطير مع أول ضربة!، ولم يستقر حتى ألفت المطرقة، وتمرّست على حملها؛ عندها استقر المسمار؛ فصرتُ أصعد بعد ذلك مع الذين يصعدون لتثبيت الأخشاب في سقف الحظيرة.
ولم يكن يعدل فنجان الشاي، والطعام الذي نحضره وقت العمل أيُّ شيء آخر؛ لأنا كنَّا لا نشرب في الفنجان شاياً، وإنما نشربُ سرَّاً يصب السعادة في نفوسنا، ولا نذوق الطعام، بل لذة تشعرنا بالرجولة ومعنى المثابرة في الحياة.
تخرَّج عن هذا الفريق المثابر صبيَّان أحبَّا العمل المهنيّ، وكان لهما دورٌ بارزٌ في تلك الأعمال الشاقة، أحد هذين الصبيَّين: ابنُ عمٍ لي يكبرني بسنةٍ، والآخر قريب أيضاً ويكبرني بثلاث، هذان الصبيان عشقا المهنة وامتلآ بحبها، فانتقلا إلى المهنة الخطرة مهنة الكهرباء؛ فأبدعا وأجادا، وكان من إجادتهما أن قاما بعملٍ إبداعيٍّ قياساً بعمريهما، وبالمدة القصيرة لهما في عالم الكهرباء؛ كان العمل مشروعاً إبداعياً يتمثل في لوحة خشبية مكتوب عليها بعقدٍ من المصابيح الصغيرة (ألف مبروك) وكانت تلك المصابيح (اللمبات الصغيرة) تضيء وتطفئ بسرعةٍ أوتوماتيكيّة؛ فيبدو منظر اللوحة شائقاً وأخّاذاً، وقد قدماها هديّةً لأحد الشباب في يوم زفافه عُلّقت على بيته فكانت كالعقد من اللؤلؤ وهو يضيء على صدر الحسناء ويتلألأ من بعيد.
كان في الحيِّ رجلٌ مسنٌّ، ذو لحية قد اختلط بياضها بسوادها، يدعى هذا الرجل (جزاء بن عبدالله)، وله نشاط الشباب وحيويتهم، فكانت يداه لا تكلان من العمل، وقطع الأخشاب بمنشار الجدِّ وطلب الرزق، وكان كل عتاده منشاراً ومطرقة وعلبة مسامير؛ هذه الأدوات القليلة كانت كفيلةً بعد عون الله ثم نشاطه أن تقيم غرفةً خشبيةً تدعى (الصبلة)؛ وهي محل لإقامة الأغنام، وحظيرة تأوي إليها عن الحر والقر، وعن البرد والصر، وكان أصحاب الماشية يتفقون معه على مبلغٍ زهيد أنْ يبني تلك الغرفة الخشبية لأغنامهم؛ لأنَّ بناءه على مستوى رفيع، وبجودةٍ متناهية،
ولم يكن يقدِّر العم (جزاء) في ذهنه، أن يأتي مَنْ يزاحمه على هذا العمل؛ فيفوقه في عمله الذي هو أستاذه حينذاك، كما أنه لم يَدُر في ذهنه أيضاً أنَّ ذلك الخصم هو عدد كثير وجمع غفير من الصبية الصغار الذين ينشئون (الصبلة) في أقل وقت وبأقل جهد؛ لكثرتهم ونشاطهم، وكأنَّهم سِرْبُ النحل على الخلية؛ فلا ترى حول تلك الأخشاب إلاَّ صبياً، ولا ترى إلا منهمكاً في عمله؛ فهذا يضرب بالمطرقة، وذلك يناوله المسامير، وذاك يحضر الأخشاب، وآخر يقطعها، وخامس يصمم ويخطط، وهكذا كل فردٍ له عمل، فلا تنقضي ساعة أو ساعتان إلا والبيت الخشبيّ قائم على أركانه ينتظر الماشية؛ وما إنْ ينتهي العمل حتى يبدأ عمل آخر في يوم يعقب سابقه، ويظلون كالنحل ينتقل من شجرةٍ إلى شجرة، ومن مكان إلى مكان، حتى أعلن (جزاء) - رحمه الله - سقوط عرشه الخشبي بمطارق الأيدي الصغيرة التي كانت تعمل بلا سأم ولا ملل، وبمداومةٍ لا تعرف الانقطاع؛ حتى امتلأ الحيُّ بالحظائر الخشبية، ولم تبقَ شاةٌ واحدةٌ تنام في العراء.
وإيماناً منهم بمبدأ الفروق الفردية، وتعدد التخصصات؛ فقد كان ذلك الفريق على مستويات مختلفة في العمل؛ فأعلى درجةٍ من يشرف ويحمل المطرقة، وأدنى درجة من يحضر المسامير، ولم أكن أحمل المطرقة، بل كانت حلماً لي، ومطلباً لا أبغي بغيره بدلاً، وكنت أطمح أنْ أضرب مسماراً واحداً، ولكن كفاءتي لا تمكنني من ذلك؛ حتى تدرَّجتُ شيئاً فشيئاً؛ فامتلكتُ المطرقة، وضربتُ المسمار في الخشب، ولكنَّه كان يطير مع أول ضربة!، ولم يستقر حتى ألفت المطرقة، وتمرّست على حملها؛ عندها استقر المسمار؛ فصرتُ أصعد بعد ذلك مع الذين يصعدون لتثبيت الأخشاب في سقف الحظيرة.
ولم يكن يعدل فنجان الشاي، والطعام الذي نحضره وقت العمل أيُّ شيء آخر؛ لأنا كنَّا لا نشرب في الفنجان شاياً، وإنما نشربُ سرَّاً يصب السعادة في نفوسنا، ولا نذوق الطعام، بل لذة تشعرنا بالرجولة ومعنى المثابرة في الحياة.
تخرَّج عن هذا الفريق المثابر صبيَّان أحبَّا العمل المهنيّ، وكان لهما دورٌ بارزٌ في تلك الأعمال الشاقة، أحد هذين الصبيَّين: ابنُ عمٍ لي يكبرني بسنةٍ، والآخر قريب أيضاً ويكبرني بثلاث، هذان الصبيان عشقا المهنة وامتلآ بحبها، فانتقلا إلى المهنة الخطرة مهنة الكهرباء؛ فأبدعا وأجادا، وكان من إجادتهما أن قاما بعملٍ إبداعيٍّ قياساً بعمريهما، وبالمدة القصيرة لهما في عالم الكهرباء؛ كان العمل مشروعاً إبداعياً يتمثل في لوحة خشبية مكتوب عليها بعقدٍ من المصابيح الصغيرة (ألف مبروك) وكانت تلك المصابيح (اللمبات الصغيرة) تضيء وتطفئ بسرعةٍ أوتوماتيكيّة؛ فيبدو منظر اللوحة شائقاً وأخّاذاً، وقد قدماها هديّةً لأحد الشباب في يوم زفافه عُلّقت على بيته فكانت كالعقد من اللؤلؤ وهو يضيء على صدر الحسناء ويتلألأ من بعيد.
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا