حصاية الذلاّل !
كتبها : سعود الصاعدي
هذه … أو تلك هي القنبلة الموقوتة والعبوة الناسفة غير أنَّها ممتلئةٌ بالتراب لا بالبارود الثائر.. تمتدُّ اليدُ الآثمة تحمل حفنةً من التراب ثم تتدلّى بين خصمين قد بلغ بهما الغضبُ مبلغه وتمكن الشيطان من ناصيتيهما وعندئذٍ يطلب صاحب اليد التي تحمل الشر من أحد الخصمين أنْ يكفأَها على صاحبه فيستبقان إليها وعندها تطيش على وجه أحدهما… وفي أكثر الأحيان يقلبها صاحبها على أحد الخصمين قبل أنْ تمسَّ يدُ الخصم يده… لأنَّه يخشى أنْ يُحرَم معركة كفيلة بتسليته وإدخال السرور عليه…
وعندما تطيش اليد الآثمة (حصاية الذلاّل) تبدأ رحى معركة ضروس، فلكمة من هنا.. ولكمة من هناك ولطمة في خدِّ هذا ولطمة في خدِّ ذاك… وعراك في بطن عجاجة وعجاج في بطنه صراخ… وهكذا تستمر المعركة بين الخصمين بسبب (حصاية الذلاّل) ويكفيها اسمها في إثارة العدوان وتحفيز النفوس للهروب من الذلة والصغار، فما نصبت تلك اليدُ ولا تدلَّت بين الخصمين عنقوداً يحمل الشر إلا ليظهر في زعم الصبيان.. الشجاع من الجبان وحسبك بهما من كفتين غير متوازيتين ولا سيما في مجتمع البادية الذي لا يرحم الضعيف ولا يجد الجبان على مسرحه موضع قدم؛ ولهذا ما أسرع ما تتلقف الأيدي اليد الممتلئة بتراب الشر وغباره.
(وحصاية الذلاّل) هي سلاح التحريش في ذلك الوقت وهي سلاح صريح واضح القصد غير غامض لا يشك أحدٌ أنَّ دافعه الجهل وشقاوة الصبية البريئة لا الضغينة دافعه ولا حُبُّ إثارة الفتن… ولكنّا أحببنا نقل صورتها الظاهرة للتحذير منها ولمعرفة ما تنطوي عليه زراعة الفتن بين الناس وإثارتها وإشعال فتيلها المنطفئ وربَّما تعلَّم الكبار من الصغار:
وقد يعلم الشيخ الوقـور بعقله
من الطفل بعضاً من علوم الدفاتر!
فتلك حفنة من تراب تُفرّق ما بين الأصحاب وتقطع حبل المودّة بين الأحباب.. وهم صغارٌ، قلوبهم صافية وصدورهم سليمة، فكيف عندما تكون سبب الفرقة زخّاتٌ من الدراهم ويكون المتخاصمان ممن تقدمت بهم السنُّ وأشرف بهم العمر إلى نهاية الطريق وهم ممن يفترض أن يكونوا ذوي ألباب.
(حصاية الذلاّل) كانت تثير معارك صغيرة بين صبية صغار لا تملأ الأحقاد قلوبهم ولا تعرف الضغائن طريقاً إلى صدورهم ولكنَّ (حفنة المال) تفرِّق جموعاً من الأحبة وتزرع البغضاء في الأفئدة ولله درُّ الشاعر القائل:
لمّا صديقي صار من أهل الغنى أيقنت أنّي قد أضعت صديقي
وما تفرَّق الأخوة ولا تباعد أرباب المودة إلاّ بعد أن امتدت بينهم كفٌ تحمل حطام الذهب والفضة وليتهم كانوا يفعلون بها كما يفعل المتخاصمان بـ(حصاية الذلاّل) بحيث يقذفها كل خصم على خصمه… ولكن المصيبة هي أنَّ كلَّ أحدٍ يحاول أن يجذبها إليه هذه المرة، لكنَّها ليست من تراب وإن كان مردُّها إلى التراب؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) فاللهم تب علينا..
ومن القصص والمواقف النادرة حول هذه الظاهرة هي أنَّ أحدهم أراد أن يشعل فتيل معركةٍ بين صديقين اختلفا فمدَّ يده – كالعادة – تحملُ تراباً لإثارة غبار المعركة وكان ينتظر أن تقلب يدُهُ على أحد المتخاصمين فوثب أحدهما وقلبها على صاحبها فكان كمن حمل حتفه على كتفه ونال عاقبة فعله ووبال أمره فنشبت المعركة وكان طرفاً فيها وهو الذي كان يتمنّى أن يشاهد ويستمتع فصار هو المُشَاهَد والمُسْتَمْتَع ومن حفر حفرةً لأخيه وقع فيها!.
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا