ماذا فعلت الدجاجة المقلية ؟!
كتب : سعود الصاعدي
كان الصبيَّان يلعبان في فناء الدَّار، تجمعهما براءة الطفولة وتؤلف قلبيهما بساطة العيش ولم يكن أحدٌ منهما يطمع في لعبة مزّوقة ولا في بدلةٍ منمرقة اللهم إلا ما كان بينهما من اللهو البريء، ويزيد قربهما ما كان بين أسرتيهما من الصفاء والمودّة، بل ما كان بين جميع الأسر في تلك الحارة القديمة من محبةٍ وصفاء، لأنها لم تكن تعرف آنذاك هذا التوسع والانفتاح الذي شغل القلوب عن صفائها، والنفوس عمَّا كان بينها من محبة.
كان كلُّ الصبيان يلعبون ويمرحون ورُبَّما حصلت بينهم مشاجرات وخصومات، ولكنها ما تلبث أنْ تغرق في خضمِّ اللقاءات الأسرية بين أسر الحيّ، ولم يكن أحدٌ يستثيره طفله بصرخةٍ تنطلق من بين تلك الخصومات فالنفوس تلتئم جراحها في لحظاتٍ يسيرة، فتلتمُّ بأصحابها مطّرحة العداوات والخصومات وكأنها كانت مداعبات رياضية لا تأخذ حيّزاً من الوقت فوق ما أخذته أثناء الحدث، ولعلّ بساطة العيش، وتواضع المساكن، وتقارب الأحوال، قرَّب النفوس فعمّت المحبةُ الحيَّ بكباره وصغاره، وبرجاله ونسائه، حتى أني أتذكّر أنَّ (عبد الله بن مرزوق) يقوم وحده بتربية الأطفال يتابع المهمل منهم فينغّص عليه فرحته إنْ غاب عن المدرسة! ويروّع الصبية الأشقياء الذين يعبثون بمرافق الحيّ، فهل يا ترى تفلح هذه الأيام (عصا عبد الله) مع (صبيان هذا الزمان)؟!! وهل لو حاول عبد الله أن يقوم بدوره القديم هل يجد قبولاً في نفوس الناس كما كان يجده في ذلك الوقت؟! الإجابة أتركها لصور العراك الدامي أمام باب المسجد انتصاراً لطفل عبث بالمسجد!!
لا أظنّ أنَّ الحياة الأولى في حارتنا القديمة ستعود طالما أنَّ القلوب انفتحت للدنيا وتنكّرت للألفة والمحبة. ولكن ترى متى بدأت هذه الثغرة وكيف اتسعت لا أشك في أنَّ أول ما بدأت هذه الثغرة هي عند أول إطلالة للدجاجة المقلية والتي بدأت تشغل الناس عن بعضهم حيث أنَّ كل واحدٍ كان يفرس في دجاجته متخفياً يخشى أن يقول مازحاً لأحد جيرانه : تفضّل! خشية أن تطير الدجاجة! وهل سمعتم أنَّ دجاجة تطير!! فكيف وهي مقلية قد فقدت حياتها منذ زمن؟!
يحدّث أحد الشباب عن أيام طفولته قائلاً :
كنت ألعب في فناء الدار مع أحد أصدقائي الأطفال في براءة ووداعة ولم يكن ينغص لعبنا منغص حتى قدم أبي بالعشاء وكانت دجاجة مقلية ملفوفة في قرطاس مصطبغ ببقع الزيت، تفوح رائحتها من بعيد! فلما رأيت أبي؛ نظرت إلى صديقي وفي عينيه انكسار الجوع ورغبة البقاء! ولكن الرحمة نزعت من قلبي لأنّه كان لا يتسع إلاّ للدّجاجة! ثم صرخت في وجهه بهذه الكلمة البغيظة: ( زامط ). اهـ .
وكلمة (زامط) تعني الطرد من البيت ولا تقبل المفاوضة بل إن الصبيّ إذا سمعها من صديقه صاحب الدار استجاب لها فوراً خشيةً على أملاحه أن تتناثر وتذوب مع ماء وجهه المراق.
قلتُ : تلك دجاجة فرّقت ما بين طفلين وعكّرت أجواء عالمهم البريء!! فكيف بهذه الحطام الزائل؟! ألا يفرق بين أولئك الذين امتلأت قلوبهم بزخارف الحياة ومباهجها؟!
والآن … هل عرفتم لما كان الصبيان يلعبان في فناء الدار ولما صارا – الآن – يتقاذفان بالحجارة؟!.
كتب : سعود الصاعدي
كان الصبيَّان يلعبان في فناء الدَّار، تجمعهما براءة الطفولة وتؤلف قلبيهما بساطة العيش ولم يكن أحدٌ منهما يطمع في لعبة مزّوقة ولا في بدلةٍ منمرقة اللهم إلا ما كان بينهما من اللهو البريء، ويزيد قربهما ما كان بين أسرتيهما من الصفاء والمودّة، بل ما كان بين جميع الأسر في تلك الحارة القديمة من محبةٍ وصفاء، لأنها لم تكن تعرف آنذاك هذا التوسع والانفتاح الذي شغل القلوب عن صفائها، والنفوس عمَّا كان بينها من محبة.
كان كلُّ الصبيان يلعبون ويمرحون ورُبَّما حصلت بينهم مشاجرات وخصومات، ولكنها ما تلبث أنْ تغرق في خضمِّ اللقاءات الأسرية بين أسر الحيّ، ولم يكن أحدٌ يستثيره طفله بصرخةٍ تنطلق من بين تلك الخصومات فالنفوس تلتئم جراحها في لحظاتٍ يسيرة، فتلتمُّ بأصحابها مطّرحة العداوات والخصومات وكأنها كانت مداعبات رياضية لا تأخذ حيّزاً من الوقت فوق ما أخذته أثناء الحدث، ولعلّ بساطة العيش، وتواضع المساكن، وتقارب الأحوال، قرَّب النفوس فعمّت المحبةُ الحيَّ بكباره وصغاره، وبرجاله ونسائه، حتى أني أتذكّر أنَّ (عبد الله بن مرزوق) يقوم وحده بتربية الأطفال يتابع المهمل منهم فينغّص عليه فرحته إنْ غاب عن المدرسة! ويروّع الصبية الأشقياء الذين يعبثون بمرافق الحيّ، فهل يا ترى تفلح هذه الأيام (عصا عبد الله) مع (صبيان هذا الزمان)؟!! وهل لو حاول عبد الله أن يقوم بدوره القديم هل يجد قبولاً في نفوس الناس كما كان يجده في ذلك الوقت؟! الإجابة أتركها لصور العراك الدامي أمام باب المسجد انتصاراً لطفل عبث بالمسجد!!
لا أظنّ أنَّ الحياة الأولى في حارتنا القديمة ستعود طالما أنَّ القلوب انفتحت للدنيا وتنكّرت للألفة والمحبة. ولكن ترى متى بدأت هذه الثغرة وكيف اتسعت لا أشك في أنَّ أول ما بدأت هذه الثغرة هي عند أول إطلالة للدجاجة المقلية والتي بدأت تشغل الناس عن بعضهم حيث أنَّ كل واحدٍ كان يفرس في دجاجته متخفياً يخشى أن يقول مازحاً لأحد جيرانه : تفضّل! خشية أن تطير الدجاجة! وهل سمعتم أنَّ دجاجة تطير!! فكيف وهي مقلية قد فقدت حياتها منذ زمن؟!
يحدّث أحد الشباب عن أيام طفولته قائلاً :
كنت ألعب في فناء الدار مع أحد أصدقائي الأطفال في براءة ووداعة ولم يكن ينغص لعبنا منغص حتى قدم أبي بالعشاء وكانت دجاجة مقلية ملفوفة في قرطاس مصطبغ ببقع الزيت، تفوح رائحتها من بعيد! فلما رأيت أبي؛ نظرت إلى صديقي وفي عينيه انكسار الجوع ورغبة البقاء! ولكن الرحمة نزعت من قلبي لأنّه كان لا يتسع إلاّ للدّجاجة! ثم صرخت في وجهه بهذه الكلمة البغيظة: ( زامط ). اهـ .
وكلمة (زامط) تعني الطرد من البيت ولا تقبل المفاوضة بل إن الصبيّ إذا سمعها من صديقه صاحب الدار استجاب لها فوراً خشيةً على أملاحه أن تتناثر وتذوب مع ماء وجهه المراق.
قلتُ : تلك دجاجة فرّقت ما بين طفلين وعكّرت أجواء عالمهم البريء!! فكيف بهذه الحطام الزائل؟! ألا يفرق بين أولئك الذين امتلأت قلوبهم بزخارف الحياة ومباهجها؟!
والآن … هل عرفتم لما كان الصبيان يلعبان في فناء الدار ولما صارا – الآن – يتقاذفان بالحجارة؟!.
السبت أكتوبر 12, 2013 6:48 pm من طرف أبو مشاري
» شخصيات من الحي
الأحد أبريل 10, 2011 12:23 am من طرف زائر
» الشنقيطي يشرح بمسجد التنعيم
الإثنين أكتوبر 05, 2009 3:46 am من طرف ابو صبا
» منازل ايران قبل 700 سنة
الجمعة سبتمبر 04, 2009 6:18 am من طرف أبو مشاري
» رمضان شاهد لك او عليك
الخميس سبتمبر 03, 2009 10:52 am من طرف أبو مشاري
» حياة القلوب
الإثنين أغسطس 31, 2009 11:24 pm من طرف أبو مشاري
» اسئلة بدون مجاملة للواثقين فقط
الأربعاء أغسطس 26, 2009 1:58 am من طرف ابو صبا
» تحديد القبلة بالجوال .........راااااائع
الأحد أغسطس 16, 2009 8:45 am من طرف ابو صبا
» المصحف الشريف على شاشتك كأنك تلمسه
الأحد أغسطس 16, 2009 8:26 am من طرف ابو صبا