زفاف في الطفولة

قبل أن أشرع في ذكر الزفاف الحقيقي في الحيِّ وكيف كان وما هي مظاهر الأفراح حينئذٍ.

فلا بدَّ لي من أن أنهي أحاديث الطفولة وذكرياتها العبقة؛ فأبدأ بذكر الزفاف المجازي في عالم الطفولة والذي هو تسلية ولعبة من ألعاب الطفولة البريئة وتقليد لما يفعله الكبار في الأفراح.

يبدأ إعلان النكاح على مجهولةٍ لا يدرى أين هي لأنها ليست الغرض من النكاح وإنما الغرض مظاهره وأفراحه ثم يحدَّد العريس ويبدأ في دعوة الأصدقاء رجال القبيلة الصغار فيهرعون عجلين إلى الجبل ليقوموا بتأدية الواجب ويجلبون بهيمة الأنعام من سفح الجبل الذي هو عبارة عن (نبات الحرمل)؛ كل واحدة تقوم مقام الكبش من الضأن الحقيقيِّ ثم تُقدَّمُ على أنها (القوايد) لتعمل وليمة النكاح بنبات الحرمل والتراب الذي يسهل جلبه من كل مكان؛ وحينئذٍ يشرع المدعوون من الصغار في مظاهر الفرح، هذه مرحلة بدائية للزفاف الطفولي، ثم بعد ذلك تطوَّر الأمر فصارت الوليمة طبخةً لكبسةٍ حقيقية من الرز والدجاج فأصبح الزفاف يحمل
طابع الجدية نوعاً ما ولا سيما أن العروسة بدأت تقترب من الظهور، ومن الطريف أن أحد الصبية كان لا يفتر ولا يملُّ من عقد النكاح وكان دائماً هو العريس؛ حتى إنه في الأخير عقد على دجاجةٍ حيةٍ بشحمها ولحمها، ولكن الزواج فشل وتمت الفرقة؛ لأنَّه افتقد شرط التكافئ ولأنَّه بلا وليّ!.

أذكر مرة أنّا كنا في حفلة زفاف وبينما نحن منهمكون في إعداد الطعام إذ هجم علينا صاحب البيت المهجور الذي اتخذناه قصراً ففرَّ العريس من هنا وفرَّ المدعون من ها هنا وفشلت حفلة النكاح مرةً أخرى.

ومن عجائب هذه الحفلات الطفولية أنها تجمع الأطفال الصغار في بَهْوٍ يتجاذبون أطراف الحديث كما يفعل الكبار. ويقومون ببعض الألعاب المسلية، وهناك من يعتني منهم بالطبخ وآخرون بخدمة الضيوف وكل ذلك تقليداً للمجتمع الأكبر وتأثراً بالحفلات في ذلك الوقت حيث كان أفراد القبيلة يعين بعضهم بعضاً ويساعد المدعو صاحب الدعوة ذلك بإحضار ما تجود به نفسُهُ من بهيمة الأنعام، وكان الأطفال يفعلون ذلك في صورة طبق الأصل لما يفعله كبارهم ولكنهم يبدلون الحقيقة بالمجاز والجد باللعب.